بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله
كم من قصة سمعناها وكم من قصة حدثت في واقعنا وكم من قصة نحن عشناها ...فأحيانا تكون القصة ..غير مثيرة...ولكن قد تكون هذه القصص التافهة أو العادية تحمل لنا فكرة عميقة تتفرع لعدة أفكار فتغير من إحساسنا بأنفسنا وبالواقع من حولنا ..وكل ذلك دون أن نشعر .
تحجر قلبي : قصة واقعية ولكن مع تغيير اسماء الشخصيات الحقيقة وبعض الأشياء احترما لخصوصيتهم ..أحداثها تتكلم عن حياة أم عانت القسوة من المحيطين بها فأثر ذلك سلبا عليها ..وعلى بنتيها ..فمات الحنان في قلبها ..ودفن بقسوة الأيام..
ضاع عمري: قصة أخرى تحكي حياة امرأة عجوز.. تمنت يوما لو إنها كانت أما ...ولكن : لم يقدر الله ذلك لها ولم تقف القصة عند هذا الحد بل تحكي حياة أخرى عكس حياتها تماما ...
الغريب:سافر عن أهلة وعاش غريبا ...وفي الغربة صادف أناس عاشوا غريبين عن أنفسهم ...
أتمنى لو إن قصصي المتواضعة تكون قد أعجبتكم ...فلن تتم إلا بالتوفيق من الله ثم بموافقتكم عليها..
انزل
انزل
انزل
تحجر قلبي...
عائلتنا يحسدها كل من يعرفها وكانت بسيطة متواضعة أخلاقيا ليس ماليا فالمال عندنا وفير
. جاء رجل يطلب يدي من أبي وكنت حينها أكبر البنات وأصغر الأولاد ,فكنا أربعة أولاد وثلاثة بنات ............. فلم يخبرني أبي عنه شيء عجب به وهو يراه مناسب, ولما تتعارف علية العائلة كان في محل ثقة... فكنت في الرابعة عشره من عمري , ولم أبلغ بعد......حتى إنني لا اعرف ما هو الزواج وكيف ؟............؟
أقيم الزواج لمدة ثلاثة أيام ولياليهن..... فكنت سعيدة فقط.. لأن النساء تزينني وكان الغناء والطبل يدق من اجلي فيالها من سعادة ولم ادري أنني سوف ادخل حياة جديدة تختلف عن حياتي الصغيرة وعن واللعب واللهو مع الفتيات اللاتي في سني وتدليل والدي.. فلم أكن أتمتع بالجمال الملفت ...
وانتهى العرس وما زلت عروس .............. يكبرني زوجي بأربعة سنوات وعشنا حياتنا كباقي الأزواج.............أكيد في مداخله من الأهل إذ إننا بدون خبره.. حملت في الشهر الأول من زواجنا.. حتى إنني كنت لا اعلم ما هو الحمل وماهية آثاره ..شعرت بتعب كأن جسمي فيه عله ومن طبعي أنني كنت لا أشكي لأحد..........فلاحظت ذلك أم زوجي وأخبرتني إنني حامل فقالت: "انتبهي لنفسك" حتى لا يسقط الجنين........ فرحت وكانت فرحتي لا توصف بالرغم من صغر سني إلا إنه لا يوجد بنت في هذه الدنيا إلا تمنت أن تكون أما, فطرة الأمومة, فقلت : سأصبح أماً......؟!أجابت وعيناها مغررتان بالدموع من الغبطة والسرور نعم أبني كذلك سيكون أباً...... أنا بالتأكيد جدة ... رفعت يدها إلى فمها وزغردت( يببت ) فسمع من بالبيت فجروا جميعا نحو الصوت .سألوا باستغراب خير..؟! نريد أن نفرح أيضاً والتفتوا إلينا وهم يتساءلون وكأنهم يعرفون الإجابة,.... لم أجيبهم إلا إنني نظرت إلى عمتي, فهموا إن الإجابة عندها ......فأجابت بصوت يسمعه الجيران.... عبد الله سيكون أبا. بارك الجميع حملي ... وأولهم كان أبو عبد الله . فقال مبارك يا أبنتي مبارك ..أهتمي بنفسك.
وأخوته وأخواته باركوا لي وكأنهم يباركون لابنهم فقط وكانت نظراتهم تقول نتمنى أن يكون ولد .. حتى يحمل أسم ولدنا فكان عبد الله الصغير والمدلل في إخوته.
ومرت الأيام وكأنني ملكه . الكل يخدمني ويلبي طلباتي فأحببت هذا الحمل جدا وتذكرت والديّ عندما كانا لا يرفضون لي طلب... بالرغم من التدليل إلا إنني كنت هادئة.....
ومرت أشهر الحمل التسعة كأنها يوم عصر, حتى جاءني المخاض ... وحملت إلى المستشفى وعمتي تكاد أن تجن......... حضرا والديّ ..........ودخلت إلى غرفة الولادة فأرعبني منظرها وحسبت إنني سأذبح هناك فوضعوني على السرير وبعدها لم اشعر بشيء من شدة الألم فكان الموت يناديني من قريب وبعدها بلحظات سمعت صوت طفل يبكي وصوت الطفل كأنه ماء بارد كب على وجهي من السعادة ...حمل الدكتور الطفل وأنا في لهفة كي احضنه .... سمعت صوتاً يقول مبروك إنها بنت..فكانت غمرتني سعادة كبيرة.. فقلت أعطني إياها ......... وأنا انظر إليها كعاشق يتأمل حبيبة ونظراته مليئة بالغرام احتضنتها ثم قبلتها كالجائع العطشان وتفحصتها كطبيب ,كأنني في عالم آخر فحسبت إنني في الجنة ,الله ما أحلى طعم الأمومة .... نسيت كل من حولي والجو مضطرب ..كأنهم سمعوا خبر فاجعة من شدته الجمت أفواههم... فنظرت إليهم ولسان حالي يقول ماذا حصل لهم ......... تغيرت وجوههم فجاءة ........ فقلت: بكل عفوية.. عمتي تعالي وانظري إليها كم هي جميله ألا تشبه أبيها ..؟! فتقربت إلينا بخطوات متثاقلة وكأنها طفل يتعلم المشي ... فقالت:من طرف لسانها ..الحمد الله على السلامة مبروك البنت..وسكتت.. فقلت : من نسميها....... أبوها سيسميها؟
فأجابت : بالتأكيد ...أسمها ..نورا.
ونادت بصوتها المتحجرش كأنها تعاني من زكام تعال يا عبد الله وانظر إلى نورا........فتقدم خجل من أمه وكأنه متهم ...تقدم ولم ينطق بحرف غير إنه يوزع ناظريه نحو زوجته وأمه وأبنته وكأنه يقول .. أمي لا يهم إني سعيد ...
وبعد لحظات سكنت وجوههم كأنهم رضوا بما أتاهم الله .......... فقالت: عمتي وهي تتنهد إن كان ولدا أو بنتا فالحمد الله كله من الله وكأن مصيبة وقعت .فنظرت إلى أبوها وباركت له في الملودة الجديدة.
فقال: الحمد الله على السلامة مبروك جعلها ذخرنا.
فقالت :الأم إن شاء الله ربي يعوضك بالأولاد ولا تبق عليها ...........فتساءلت في نفسي من تقصد ؟ولماذا وجهها عبسا .
فسكت وتبسمت فلم يسعني قول شيء أمامها لأنني احترمها ......... فهي مثل أمي.
ومرت الساعات وكأنها سنين بعد ما سمعت قولها ........ولكني قلت في نفسي لا تهتمين بحديث عجوز ..والبنت عندي مثل الولد ....
فكان عبدالله يواسيني ويقول لي الحمد الله إني أصبحت أبا وإن شاء الله تكبر تحت سقفنا ونحبها وندللها كما كانت أمها مدللة ......فكان كلامه يطبطب من جروحي مع إنني أعلم ما في داخله ولو قال لي كلام اخر لغضبت منه .........
وبعد يوم ,طلب عبد الله الإذن للخروج من المستشفى ......فخرجنا بعد الفحوصات الكاملة فالحمد الله كلنا بخير .
رجعنا إلى البيت كان الطريق اليها طويلا و الصمت يسيطر على الجو حتى نورا تغط في نوم عميق , فكنت أنظر الى عينيها آمله منها ان تفتحها أو تصرخ. فصراخها كأنه غناء عصافير في حديقة غناء , ولكنها نائمة يئست منها .....فتاره التفت إلى عبد الله وتارة التفت إلى الشارع حتى وصلنا الى البيت ماكنت أنتظر استقبال حار بعد ما رأيت وجوههم في المستشفى ......... دخلنا البيت كأن فيه عزاء .........فهرعت إلى غرفتي حتى استلقي في سريري وأضع نورا في سريرها ........وبعدها تنفست بنفس عميق وفجاء تدحرجت دموع صامته على وجنتي ........سمعت صوت الباب يفتح اذا هو زوجي فقال لي : سلمى .........ولم يكمل مسحت الدموع واخفيتها عنه حتى لا يقلق علي ....... سأل: ما بك ...هل أنتي بخير؟ .........فقلت : نعم إني بخير .........واتبعتها بقولي نورا نائمه لم تستيقظ منذا إن كنا في المستشفى. هل هي بخير .......فالتفت إلى السرير وذهب يتفحصها فاذا هي نائمه ....فقال : ربما من الطبيعي أن ينام المولود طويلا..وبعد هنئيه وجهه تغير وبداء يقلق عليها ثم قال: سأسأل أمي عن سبب نومها الطويل ......رديت عليه : لا داعي .......سوف اذهب أنا أناديها ........فقال: لا سوف اناديها من هنا .صرخ بأعلى صوته ......... أمي تعالي ...وبينما هو كذلك إذا إن الطفلة تتحرك .....فقلت : هاهي بخير.. آمل ذلك ......... سمعت عمتي صوت ولدها فلبت نداءه مهرولة إلينا وهي تكاد أن تتعثر ..ثم وقفت عند الباب .........فقال عبد الله : حسنا يا أمي كل شيء بخير .
عاتبت عليه بقولها لماذا تعذبني ...ثم رجعت ادراجها....
تذكرت أمي حينها تمنيت لو انها كانت بجانبي .
عدت إلى سريري وقلت : اشعر بتعب شديد. فقال :عبد الله الأفضل لكي أن تنامي مادامت نورا نائمه .........وضعت رأسي على الوسادة فلم أحس بعدها بشيء إلا صوت بكاء الصغيرة .. قفزت قفزة من سريري إليها حملتها ورضعتها حتى سكتت ........ وبعدها أحسست بجوع شديد فأنا لم آكل منذ الصباح .......حملت نورا وذهبت إلى المطبخ لعلي اسد جوعي .......ولكن وجدت نفسي مسدودة من الطعام. رجعت إلى غرفتي ......أداعب الصغيرة وأنشد لها الآن سيأتي أبيك...الآن سيأتي أبيك .
بين كل لحظه وحين انظر إلى الباب انتظر متى يأتي أبو نورا ..؟لكنه تأخر.. فلا أحد يسأل عني أو على الأقل يسألوا على أبنتهم الصغيرة . تذكرت أيام الحمل كيف كانت جميله كيف لهم أن يتغيروا هكذا فأنا لم أفعل بهم شياء ......هكذا الدنيا إذا ضحكت مرة تبكيك مرات .......لا يهمني ما يفعلون الأهم إن ابنتي عندي هي تحبني وأنا وأحبها ...........أين عبد الله لماذا لم يأتي حتى الآن ........وفي منتصف الليل وبكل هدوء فتح الباب فإذا هو حبيبي يدخل وقد مللت من الانتظار ولكني لم اسأله اين ذهب ولماذا تأخر لأني لا أحب أن أقول شيء يزعجه مع انه إنسان طيب .....ربما ظرف جعله يتأخر علينا . فوجدني مستلقية عرف إنني لم أكن نائمة . فأقترب مني ومسح على رأسي بكل حنان واخذ يداعب جسدي وهو يقول : هل أنتي نائمة؟ .......فلم أرد بكلمة ثم قال : هل انتي جائعة ؟ ايضا لم أتكلم.. فالنائم لا يتكلم .. ..... حبيبتي آسف تأخرت عليكم لأنني كنت مشغول جدا ولن أتأخر عليكم في المرة القادمة .......هيا ....تكلمي .. فقلبت وجهي إليه وعيناي مليئة بالدموع فقلت: له اشتقت لك...ضمني إليه وقال: وأنا أيضا ..ثم قال: إني جائع أريد أن آكل ......سوف اذهب الآن إلى المطبخ ولم يكمل ....... قاطعته ... انتظر سوف احضر لك العشاء. قال: لا ارتاحي أنتي سوف احضره أنا .. هل أنتي جائعة..؟فأجبت بنعم ... ... ماذا تريدين ..؟فقلت: ما تأكله أنت ... تعشينا في الغرفة .... انفتحت نفسي للعشاء وأكلت بشراهة ...
وفي الصباح الباكر سمعت صوت الغالية ....وهي تسأل عني وكانت عمتي تقول لها: سلمى نائمة فهرعت إلى الباب دون تردد ....فتحته وقلت هلا هلا بأمي ....دخلت أمي الغرفة وهي كعادتها تسأل عني وتتطمئن علي وتقول :هل أنتي بخير ...والطفلة كيف هي ؟ فقلت : هي بخير ! وكانت عمتي معها فلاحظت أمي التعب الذي علي ........فقالت : مالي أراك تعبه؟ !.....ردت عمتي كأن السؤال موجه إليها فقالت :أكيد إنها نفاس وأول أيام الولادة ...فالكل في هذا البيت يهتم بها وأبو نورا ما يقصر في حقها .....فقلت في نفسي : الحمدالله على كل حال .
وأتبعت قولها...سوف احضر الشاي و القهوة : قالت: أمي وهي تنتظر تلك اللحظة حتى تخلو بي ..... وهي في عجلة من أمرها حتى لا تأتي عمتي ...ما بك يا ابنتي لا أراك بخير !!....فأجبت: الحمد الله يا أمي إني بخير ولكن نورا تسهر في الليل , تنام في النهار....ليس إلا.....فقالت: أمي إنك تخفين عني شيء وأنا أعرفك يا ابنتي.. فقلت: لها لا تخافي يا أمي إنني بخير وعبد الله لم يقصر في حقي ابدا .......فقالت ماذا تأكلين..؟ قلت: كل شيء لذيذ وشهي .......ثم قالت: يا ابنتي إذا كنت لست كذلك . أطلبي من زوجك بأن يحضرك إلينا ...قلت لها ان شالله فأنا بخير يا أمي ولكن لابد لي أن أزوركم عن قريب ان شالله .....
قاطعت حديثنا أم عبدالله بدخولها العفوي ومعها القهوة والشاي .... صبت القهوة. وقالت إن سلمى لم تفطر ساحضر فطورها ...... وبعد لحظات عادت ادراجها إلى المطبخ لتحضر لي الفطور ....وبينما هي كذلك .قالت: أمي لا تتأخري في الزيارة إلينا يا ابنتي فإننا اشتقنا إليك كثيرا .....إن شاء الله يا أمي ....... جاء الفطور فكلت وأكلت معي أمي فكان الطعام لذيذا.. ربما لأن أمي كانت معي .....وعندما قاربنا على الانتهاء إذا بنوره تستيقظ من النوم باكية.. قفزت إليها أمي تحتضنها وتسكتها بكل حنان ...فنظرت إليها وقلت في نفسي هذه هي امي الغالية .... فقالت إنها جائعة تريد أن ترضع .....كلي يا ابنتي حتى تستطيعين ان تصنعين الحليب للحبوبة.
فقلت: لقد انتهيت وشبعت يا أمي .......أعطتني إياها فقالت:خذي أرضعيها ..وأنا أرضعها أمي تراقبني .فقالت : ليس هكذا يا سلمى البنت سوف تتعب ولن تحس بالراحة هكذا رضعيها هكذا.وكانت تشير بيدها نحو صدرها وتعلمني كيف تكون الرضاعة ,لم أكن أعرف طريقة الرضاعة ..ضحكتفي داخلي من نفسي لجهلي وفي نفس الوقت تمنيت لو إن أمي تعيش معي .
...... وهكذا حتى مرت الأيام وفي الشهر الثاني احسست بنفس التعب الذي احسست به من قبل فذهبت ألى أمي وسألتها فقالت: لي أتركي الرضاعة عن البنت فأنتي حامل فقلت كيف يا امي؟ الم ترضع الصغيرة قالت: فالحليب يتغيرعند الحمل
وابنتي ما زالت في شهرها الثاني ......فاخبرت عبدالله ذلك..ابتهج وجهه من الفرحة و أخذ يصرخ في البيت ليخبر الجميع وهو يقول : سيكون لنورا أخ .. فخرجوا جميعا من حجرهم إلى حجرتي وباركوا لي واحدا تلو الآخر ..أما أنا فكنت بين اثنين سعيده لربما يكون لي ابن وحزينة من أجل نورا لأنها صغيره جداً .......... فلم اكن أنتظر الدلال من أحد ولكن كعادتهم ........حتى إنهم أصبحوا يهتمون في البنت ويعينوني. فلم أحس بعبء.. يا ليتهم دائما كذلك ....ولكني قضيت أشهر الحمل وأنا في قلق شديد أحياننا أواسي نفسي واقول كل ما يأتي الله به هو خير .....وفي الشهر التاسع بداء المخاض ..... هذه المرة ذهبت أمي معي فهي تعلم بولادتي أكيد عبد الله معي وتركت نورا مع أخت زوجي حتى تهتم بها وعمتي أيضا كانت معنا فقط حتى لا يقولون عليها إنها لا تهتم بزوجة ابنها .......المهم كانت الولادة صعبة جدا مكثت في المخاض خمسة ساعات ثم فرج الله علي.. وإذا بالطبيب يقول : مبروك إنها بنت ...وأعطاني فاحتضنتها إياها كأي أم ..
وسالت على خدي دمعتان دون أن أشعر ..رأى عبد الله الدموع ومسحهن بيدين حنونتين وهو يقول: الحمد الله على السلامة.. لماذا تبكين يا عزيزتي ..هززت رأسي وأنا أقول :لا ..إنها دموع الفرح .. أراد أن يغير الموضوع فنظر إلى الطفلة.. وهو يقول: أنتي سميها هذه المرة فهي لك : ابتسمت وقلت: لم أفكر في أسم بعد.. وفي نفس الوقت ..قالت: أمي الحمد الله على السلامه والكل كذلك كان يبارك ولكن بوجوه جامدة وابتسامات صفراء , فقلت في نفسي .. المجاملة خير لي من كلام جارح... فقالت: أمي هذه المرة سلمى (النفاس) ستقضي عندي ... قال: عبد الله وهو يتحجج لها .. لماذا ...؟وأمي تقوم بالواجب.. إلا إذا أحبت سلمى ذلك .قالت أمي وهي ترجوه ولو أسبوع واحد .. التفت إلى أمه كأنه يطلب الأذن منها بالسماح ..فلم تمانع ..وهي تقول :البيوت واحدة وكلنا أمهات... فرحت ولكني لم اظهر السعادة على وجهي ...فقلت : لقد فكرت في أسم للبنت .....ما رأيك ب ليلى قال : جميل ..... متى سنترك المستشفى .. ؟ قال :غداً إن شاء الله ....
ذهب الجميع للبيت ما عدا عمتي ......وفي اليوم التالي ...في الصباح الباكر أتى أبو نورا .الينا حتى يكمل طلب الخروج من المستشفى . فكنت مشتاقة لنورا ...فسألته كيف حالها..؟ فأجاب .. هي بخير ,غير إنها كثيرة البكاء سهرتنا الليل كله ولآن تركتها عند عمتها سميرة غارقة في النوم .
ثم سأل أمه ..كيف حالك يا أمي ؟ قالت: الحمد الله بخير ....هل نمت جيداً يا أبني ... قال : لا أين انام ونورا سهرانة وأتبع حديثه بقولة :اليوم عند الساعة الواحدة إن شاء الله سوف تخرجون من المستشفى وتذهبين أنتي يا سلمى إلى بيت أمك .ثم ذهب إلى عملة.
ومر اليوم كأنة جبل على ظهري.. جلست أعد الساعات لعل العد يزحزح عن ظهري طول الانتظار.. فلم أزل كذلك حتى جاءت الساعة الواحده ظهرا كأنها أتت من مكان بعيد .ً فوجهت نظري إلى الباب كل ما دخلت ممرضة او طبيب خلتة عبد الله .
وفي الساعة الواحدة والنصف دخل ..كأنه ملك من الملائكة . ثم جهزت عمتي الأمتعة وفي الوهلة الأخيرة.. استدعى الطبيب للاطمئنان علينا ...ثم خرجنا.. حتى وصلنا إلى البيت حضنت نورا كأنني غبت عنها شهر ....فبكيت لا أدري لماذا ربما لشوقي لها أو ..لا أدري .. فالكل رآني كذلك ... ثم دخلنا غرفتنا.
فلم استرح ...جهزت أمتعتي وبناتي للذهاب إلى بيت أبي....... دخل أبو نورا الغرفة وقال : مالي أراك تتعجلين للرحيل ....في الليل ستذهبين ليس الآن إن شاء الله ......فقلت له أدري...فقط حتى أرتاح ...
وبعد الغداء ......ودعت الجميع ... ثم حملنا أمتعتنا إلى السيارة ......تحركت السيارة في دقائق .....وبينما نحن في الطريق ......سألني فقال : هل أنت بخير..؟ سؤال ليس كعادته ...؟ قلت: نعم ألا تراني أنت كذلك ......فقال : لم أسمع منك يوماً أي شكوى أفتح قلبك لي ؟ فقالت : لو كنت أشكي من شيء أو أحد فعل بي شيء لسمعتني اشكو .....رد قائلاً: الأهم عندي ان تكوني مرتاحة مني ومن الجميع ......قلت:أنت إنسان لطيف وشكراً على سؤالك أدري أنك تهتم لي .
فلم يكن الطريق بعيدا ..وصلنا للبيت ..... فستقبلنا باستقبال حار ......وقد جهزت أمي دعوة للجيران وعزيمة كبيره للعشاء ......بتأكيد أهل زوجي في الحساب ..
مر الأسبوع كأنة يوم ... فطلبت منه أن يمهلني أسبوع آخر فوافق دون تردد . وقال : أنت مرتاحة..؟!.. قلت : للغاية.... فقال لكِ ذلك.سعدت كثيرا وتمنيت لو إني أعيش عند أمي الدهر كله: وبعد أسبوع رجعت الى بيتي ...
ومرت الشهور , حتى صارت نورا تقارب السنة ..
أفلس أبو عبد الله وصارت تجارته على المحك خسر كل شيء فلم يبقى لهم سوى الفيلا والسيارات التي يملكونها فلم تكن سياراتهم عادية ...بل من أغلى السيارات , (دوام الحال من المحال) ..صارت الحياة مره وزادتها الديون مرارة.. فقرر الأهل بيع البيت والسيارات لتسديد الديون ما تبقى من دين ثم الرحيل عن البلد إلى الأبد..وكان الخبر كالصاعقة ,فدارت بي الدنيا.؟ فلم أستوعب إفلاس عمي أبو زوجي ولم أتقبل فكرة الرحيل ,كيف أرحل عن بلد ترعرعت فيه ..؟وكيف اترك أهلي..إلى الأبد بالإضافة إلى إني لا أحب بلدهم الذي في البادية..تعرفون البادية في ذاك الزمان...وأنا عشت في رفاهية ودلال ..
أخبرت أمي أني لا أريد أن اذهب معهم ,ولكن دون أن يعلموا ...فقلت لعبد الله إني أريد أن أزور أهلي وأجلس عندهم عدة أيام حتى أودعهم.. فلم يمانع .... لأني لو أخبرتهم سيظنون أني تكبرت عليهم... و الرحيل سيكون بعد أسبوعين..فكرت كثير فقررت أن أتبع مصيري ...مر الأسبوع الأول والثاني قارب على الانتهاء ..ولم يجيء أبو نورا إلى بيتنا فقلت في نفسي لعله سياتي في آخر يومين وفي اليوم الأخير أتى أبو عبد الله.. وقف قلبي لأن عبدالله لم يأتي فأحسست أن في الأمر شيء ....فقال : نريد البنات....لأن عبدالله سافر ونحن سنسافر معهن صدمت من قوله الغريب .. رفضت ذلك بشدة وصرخت بأعلى صوتي لا ..لا يمكن أبدا أن تأخذوهن.. وجعلت أبكي وأبكي لا البكاء نفع ولا الصراخ...أما أهلي عارضوا ذلك بالكلام فقط ...
انتزعوا بناتي...ووعدوني بأن أذهب اليهن في القريب العاجل ,,صدقت الكلام وياليتني لم أصدق.. وأهلي أيضا كانوا في صفهم ..لا حولا ولا قوة لي ...فلم يكن الوقت كافي حتى اذهب إلى المحكمة وأطالب فيهن ... أخذوهن وأخذوا حياتي معهن ....وبعد ساعتين سافروا ...وسافر أملي معهم لم يكن لي وجود في نفسي بل لم تكن نفسي موجودة في الحياة ...قتلوني ...أخذوني الى المقبرة ودفنوني ...بقلب ينبض ..كانت الساعات ...التي تمر علي بغيابهم سنين ....بت الليل بأنهار من دموع ,كانت أمي تواسيني , قالت لي هي أيام أن شاء الله وتذهبين ..فكانت أخواتي كذلك ..هيهيات هيهات , وكل يوم تزيد حالتي أسواء ...وبعد ثلاثة ايام لم أحس بشيء ..فقدت عقلي ..وكنت في الشوارع ادور ... وفي حالة يرثى لها ...احضروني ناس من البلدة نفسها إلى اهلي ..انصدموا ...فصاروا يحبسوني في الغرفة ..والمفتاح مع أمي وقلبها يعتصر من الالم ..أما أبي فقد مرض حسرة أنه لم يمنع ذلك...وبعد شهرين مات أبي وأصبح الحمل عليها ........ بقيت في الغرفة ثلاثة سنين بلياليهن والحمد الله عالجوني بعد وقد يئسوا من حالتي فقد تعبت أمي كثيرا....تناسيت فقدان بناتي لأني يئست من ذهابي اليهن و الظروف لا تسمح ...وعشت حياتي ولكنها لم تكن حياة عادية..وتدهورت ظروفنا فلم تعد كالسابق ...
جاءني رجل من بلاد عبد الله تزوجته بالرغم إنه كجدي وفقير جدا فلم أبالي بذلك... تزوجتة بوعد أن يذهب بي إلى هناك حيث بناتي ..قبل الشرط ..فتم الزواج ..لم يكن فيه طبول أو زينة ..فقط غداء ...وفي الشهر الأول حملت ببنت أيضاً ...وبعدها بولد أنشغلت ..بالاولاد..وكدت أن أنسى بناتي ..فلم نستطع السفر بسبب الظروف القاسية ,بعدما أصبح لدي بنت وأربعة أولاد ... وعمر بنتي الكبرى 17 سنة أخيرا ذهبنا الى أرضهن ولكن في منطقة تبعد عن منطقة البنات ب 3 ساعات وصلنا إليها ..سكنا في بيت أشتراه زوجي من قبل وكان بسيط جدا ...وبعد وصولنا بشهر مات العجوز بمرض...أصبح الحمل على ظهري ...صرت أصبح وأمسي بالتفكير في الأولاد حتى يستطيعوا العيش ...فلا حلل لدي سواء أن أعمل في البيوت ,أغسل وأكنس وأطبخ..واتقاظى راتب يومي ,وهكذا..واحياناً يعطوننا أصحاب الخير مساعدة , ولكنها لا تكفينا إلا ليوم أو يومين ...
فجاءه جآتني رسالة مكتوب عليها أمي أننا بخير هل أنتي بخير..؟ لقد اشتقنا إليك كثيرا إننا ظننا أن جدتي هي أمنا إلا أن أخبرتنا امرأة...عندما كنا نتناقش في حديث الأم فسألتني وقالت: لي أنتي أين أمك..؟ فأخبرتها أن أمي ماتت وما كنا نعلم بوجودك ..قد علمت إنك لست السبب في تركنا نعيش بدونك ...أمي نريد أن نراك فأين أنت...؟...و.... وكان مكتوب أيضا ..أمي قد تزوجت وأصبحت أم لثلاثة , بنت وولدين والرابع في بطني ... أما نورا فقد تزوجت..ولديها خمسة بنات وولدين ... قرأت الصفحة كأنني أقرأ جريدة أو مقال , كانت فيها المشاعر جياشة , ولكني لم أحرك حس صدقوني أصبح قلبي جافا بل قاسيا وربما نسيت ان معي بنات من قبل ..فلم أهتم للأمر فكانت الرسائل تأتيني شبه يومي ..أخبرت جارتي بذلك أنصحتني أن ازورهن واتعرف عليهن وكيف أصبحن ...فلم يجول في خاطري ذلك.
فقلت لها: وكيف أذهب إليهن..؟ وأنتي تعلمين بحالي ..فقالت: أن كان الأمر عن نقود السفر فالنقود موجودة سوف أعطيك دين , أذهبي أنتي والأولاد ودعيهم يتعرفون على أخواتهن , لملمت اغراظنا وركبنا سيارة الاجرة وما هي الا ساعات حتى وصلنا ..قرعنا الباب ودخلنا ...استقبلتنا ..إمراءة في العشرينيات من عمرها ..بيضاء البشرة جذابة ..متوسطة الطول , ممشوقة القوام ..حضنتني بقوة ودموعها كالسيل , كنت كالحجر في الصحراء حتى يدي لم أحركهن أبكيت كل من في المكان ولم ابكي أنا.
تقبلت ابنتي ذلك, أما الثانية , فلم ازورها في بيتها أتت هي إلى بيت أختها لما سمعت بخبر مجيئي وبعد نصف ساعة وصلت , نورا ..حضنتها ولكن ليس كحضن ام مشتاقة لبنتها , بدون دموع, وما زلت حتى الآن لا أسال عليهن بل هن من تسألن عني وترحمنني وتحنن علي ...
أصبحنا نحن والزمن عليهن كان أيضا عبد الله مسافر ولم يربيهن سافر الى بلد عربي . منذ ذاك الزمن , وربوهم (جدودهم ) ولكن ماتوا هم أيضا ..عندما كان عمر الصغيرة 12 سنة والكبيرة 13 سنة فنتقلوا الى بيت عمومهم وربوهم كما تربوا ...الحمد الله أشهد أنهن رائعتان .
لم يذوقوا الحنان من أم حقيقية يا ليتني استطيع أن أعوضهن ما فقدنه من حنان ولكن للأسف لا أحس بذرة حنان ... لم يسعني سوى الدعاء لهن بالخير وأن الله يسامحني في حقهن ...